facebook

السبت، 17 نوفمبر 2012

يوتوبيا الواقع..


أن تمشى فى الشارع، فتعتريك تلك الرعشة مع الهبوط المفاجئ الإضطرارى .. فتجد حولك الناس ملتفين فى حلقات و كأنك قرد سيرك فى منتصف فقرتك .. ولا ينقصهم الا التصفيق و لا ينقصك إلا أن تمت .. لا بفعل الإغماءه ، بل بفعل مصانع شفط الهواء التى إنشقت عنها الأرض غى نظرة بلهاء فى الغالب لا تنم إلا عن فضول طفولى و هذا ليس بغريب. و لكن الغريب هو ذلك الشخص الذى يقف  و بعينيه تلك النظره بحق !! تحقق منها ؟! إنه فعلا قلقُ عليك.. إنها ليست أُمك و لكنها تضع يدها على قلبها و تدعيلك .. فى هذه اللحظه هناك شئ لم تنظر له و لكنك لا تراه. ألا تدرى بعد ما هو ؟! سأخبرك
أن تكونى أُم تخطت ربيعُها الخمسين. فى أحد مهماتك اليوميه ذات الهدف السامى الأوحد " إسعاد إبنائك" و لا قواعد للعبة للعبة سوى " عطاء بلا مقابل " . يأخذك قدرك فى إضطرار مرير لركوب الحافلة الممتلئة، متدلية الأطراف البشريه. و التى يراها كل ذى مخيلة خِصبة تنفجر فتتطاير الأشلاء و الدماء، بمعدلات تكفى لتغطية شوارع القاهره و المدن المحيطه . فتجدى وسط ذلك الكيان الموشك على الإنهيار أن عليك المرور بالكثير من الأوجه الموشحة مدّعية عدم رؤيتك، أو من يغلق عينيه فى أداء تمثيليى ردئ محاولاً إقناعنا بالنوم، فيبدو من رداءة التمثيل و كأنه يحتضر – و كم تمنيتها حتى نسترح من أساليبهم و يستريحوا هم من عناء التمثيل اليومى البائخ..
و لكن ما أنا هنا من أجله هو ذلك الشاب الذى يقف لك منادياً موقفاً تلك المسرحية الهزلية التى أصبح أغلب شباب جيلنا- العجائز نفسيا و خلقياُ- بارعون فيهاصائحاً : " يا أمى " و يبتسم لك و يجلسك مكانه، فبالرغم أنى أعلم إنه يكن الشخص الأوحد بين المائه الذى يفعلها، و لكن هناك شئ رائع بحق. قد يمر على الكثيرين ألا ترينه أنت أيضاً يا أُمى ؟! حسناً سأخبرك ..
أن تكن عائداً من عملِك فى رمضان .. دقائق و ينطلق الأذان، بعد تلك الرحله فى أعماق غابات ضيق الخُلق، بطل أسطورى ، تماسكت كثيراُ أمام كل  الإغراءات. حاول أحدهم إجبارك على خرق حُرمانيه الشهر، حاول سحبها من لسانك سحب و جعل من المستحيل التماسك أمامه، فتنفعل، لتهدأ فى لحظات مكرراً الشفره التاريخية الأكبر فى تاربخ الأيام الحُرُم.. " اللهم إنى صائم" و كأنه لم يكن أنت من يسب من لحظات كل من له علاقه أو سابق معرفه ولو سطحيه بمن ضايقك. سائقين ملحدين بالأخلاق، يملكن براءات أختراع عدة من بلاد اللا أخلاق، تخصصهم إفساد صيامك، تشعر و كأنهم ينتظرونه من العام للعام، حتى يمارسوا لعبتهم المقدية الأسمى..
فإن يخرج لك من وسط هذه الحقية السوداء من يبتسم فى وجهك ، " كل سنه و أنت طيب، رمضان كريم " ، ماداً يده مانحاً بعض التمر أو العصير .. فبلرغم أنه حدث صغير وسط حٌقب يومك المظلمة إلا أنه به شئ لا يُمكن أن تغفله. حقا! أنت أيضاً لا تراه؟! –حسناً، سأخبرك.
أنها اليوتوبيا، اليوتوبيا فى أبهى صورها بل و أكملها، فلو كانت المدينة الفاضله – الأفلاطونيه- كل ما فيها خيرو فضيلة، فأين ذلك الشر الذى سيُقياس عليه الأعمال لنعلم أنها حقاً خير. هل لو كان كل من فى الشارع سيجرى عليك ليحملوك و يدعو لك ، هل كنت ستشعر بشئ غريب حين يحدث ذلك معك؟! هل لو كل مره يا أمى تركبين فيها الحافله وقف أقرب شاب لكى دون تفكير منه، هل كنتى ستشعرى بقيمه ما فعله؟! هل لو كل من فى الشارع يبتسمون و يرددون " كل سنه و أنت طيب" هل كانت لتملك ذلك الأثر كما كان أثرها بعد أن أفسد أحدهم يومك؟ .
 هذه هى الفكره، لو لم يكن هناك نار، لما عرفنا قيمة الجنه. لو لم يكن هناك موت، لما عرفنا قيمة الحياه، لو لم يكن هناك شر قيمه الخير، و لكن العبرة فى أن تدرك قيمة الفضيلة و الخير و العطاء حين تجدهم وسط غابات الشر و الرذائل و الخُبث.
لأن لو إدراكك لمواجهة الموت يوماً من الأيام منعك من تقبُل الحياة و الإحساس بقيمتها و قيمةعُمرك، ما أستحققت أن تعيشها. و كذلك فى كل المواقف الصغيره التى تنير يومك من أصحاب الفضائل، لو لم تشعر لها بالعرفان على تحسين يومك لأستحققت أن تُكمل يومك بل و حياتك بدونها.
هذه هى يوتوبيا الأرض و الواقع ، نفحات تخرج من أصحاب السمو الروحى، و كأنهم ينقلونها لنا من بُعد آخر، بٌعد يعرفونه جيدا و كأنهم عاشوا فيه لقرون، أو ربما سيُخلدون فيه.  بُعد لا يوجد فيه سوى الخير و المحبة و الفضيلة. أبعاد غير مسموح للشيطان ذاته بالتواجد فيها، أبعاد لا تملك أنت نفسك فيها القدره على الخطأ أو الذلل أو الكره أو الحسد أو البُغض، بُعد تسمو فيها الأنفس إلى درجات ملائكيه، نقاء و طُهر نفسى. بُعد ربما هو الجنة ذاتها.
و لتشعر بقيتمها يجب أن تتحمل لفحات أصحاب الأنفس المسمومه و الخُبث الروحى، لفحات و كأنهم ينقلونها إلينا من بُعد آخر،بُعد ربما هو داخلهم بالفعل، أو ربما هم من سيُخلدون فيه. بُعد تنحط و تدنو فيه الأنفس لأدنى درجاتها، بُعد تتآخى فيه أنفسهم مع الشيطان ذاته، خُبث و دنس نفسى، بُعد ربما هو الجحيم ذاته.
نهم ينقلونها

لذلك تعايش مع واقعك، فهو أفضل ما فى الإمكان. و تذكر كلما لفحك أحدهم بنيران بُعد جُهنم الذى ينتمى إليه، ستزداد فرصتك للشعور بتلك النفحات اليوتوبيه، نفحات من أبعاد أخلاق أهل الفردوس.

اليوتوبيا* : هى المدينة الفاضلة التى تحدث عنها فلاطون فى كتابه "الجمهورية".

اليوتوبيا( مدينة الفضيلة عند أفلاطون)،


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق